نهضة العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نهضة العرب

منتدي يهتم بثقافة العرب في كل البلدان
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحذاء المتحضر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
arabciv
Admin
arabciv


الجنس : ذكر

عدد الرسائل : 170
العمر : 44
الدولة : مصر
تاريخ التسجيل : 19/10/2008

الحذاء المتحضر Empty
مُساهمةموضوع: الحذاء المتحضر   الحذاء المتحضر I_icon_minitimeالأربعاء مايو 05, 2010 8:57 am

[size=21]عقب هزيمة 1967م السوداء اشتهر الشاعر نزار قباني بمجموعة من القصائد لسياسية التي كان يهجو فيها الأنظمة والشعوب العربية جميعا ، وكان من بين قصائده واحدة همزية خصصها لهجاء مثقفي السلطة أيامئذ – وكانوا أكثر حياء من خلفائهم في أيامنا – وجاء فيها بيت اشتهر بين الأدباء يقول فيه :
وإذا المفكر أصبح بوقا … يستوي الفكر عنده والحذاء
وقد التقط صديقي الأديب الكبير وديع فلسطين ، فكرة البيت ، وكتب سلسلة ممتدة من المقالات الطويلة في مجلة الأديب اللبنانية ، استغرق نشرها شهورا طويلة في أوائل السبعينيات ، وشارك في تناول الفكرة عدد كبير من أدباء هذه الفترة في مشرق البلاد العربية ومغربها ، وكان لأدب الأحذية والنعال ركن واسع في أدبنا الحديث .
عادت الفكرة مرة أخرى في الرابع عشر من ديسمبر 2008م ، حين أطلق الصحفي العراقي ” منتظر الزيدي ” حذاءه بفردتيه على الرئيس الأميركي ” جورج بوش ” ،وهو يعقد مؤتمرا مع الصحافة ، ويتفاخر بصلافة أنه نقل العراق إلى الديمقراطية والحرية ، وأن الحرب لما تزل قائمة ولم تنته بعد ! تراكمت صور الإجرام الوحشي الدموي الاستعماري المرتبطة باسم جورج بوش وعملائه في ذهن الصحفي العراقي ، فخرج عن أطواره الطبيعية ، ووجد أن الرد المناسب على الجرم المتعجرف هو القذف بالحذاء مهما كان الثمن !
وكانت بداية الثمن أن جلاوزة الاستخبارات الأميركية والعراقية وضعوا أس منتظر والشاشة تعرض ما يفعلون – على الأرض وضربوه بمنتهي القسوة حتى نزف دمه على أرض القاعة ، ثم سيق إلى المجهول حيث استمر تعذيبه لدرجة دفعت أحد القضاة الذين جلبهم النظام الحاكم العميل ؛ لإعلان أن جسد الصحفي به آثار تعذيب واضحة .
الحدث كان موضوعا للتلفزة والصحف والإذاعة على امتداد العالم كله ، وليس العالم العربي وحده . وخرجت مظاهرات عراقية ومصرية تشيد بالصحفي وتندد بالغزاة ، ونسي الناس في مصر همومهم اليومية بدءا من البحث عن الرغيف حتى هزيمة الأهلي في اليابان ، وانتعشت أفئدتهم ، وانبسطت وجوههم ، وأشرقت عيونهم بالفرحة والبهجة ، لأن صحفيا مغمورا استطاع أن يعبر بالطريقة الملائمة عن مشاعرهم الدفينة وأشواقهم العاجزة ، فرد على الرئيس المتعجرف بما يليق به.
كانت أغلبية الشعوب العربية وكتابها ومحرريها وإعلامييها ، مع الصحفي العراقي ، يؤيدونه ،ويدافعون عن سلوكه ، ويطالبون بتحريره من قبضة الغزاة وعملائهم في بغداد ، وأعلن المحامون بالمئات في شتى البقاع العربية تطوعهم للدفاع عنه وكتابة مذكرات المرافعة ومواجهة الاتهام .
وكان الأميركان أنفسهم سعداء بما جرى لرئيسهم الفاشل ، الذي ورطهم في حروب عقيم ، لا ثمرة لها إلا تخريب الاقتصاد الأميركي ، وانهيار البنوك والشركات الكبرى ،وطرد أكثر من نصف مليون أميركي ن وظائفهم . وقد تناولوا موضوع الحذاء بالتندر والسخرية والضحك ، فثقافتهم تسمح بمثل هذا النوع من الاحتجاج ، وذلك دون أن يلتفتوا إلى ما جرى للعراقيين ومن قبلهم الأفغان والصوماليين من مذابح وانتهاكات وسرقة ثرواتهم وتراثهم لغالي ، وتخريب بلدانهم وإفقادهم الأمن والطمأنينة وأبسط الخدمات اليومية .
مئات بل آلاف المقالات والآراء عبرت عن وقوف إلى جانب لصحفي العراقي تعبيرا عن وحدة تجمع بين شعوب الأمة من أقصاها إلى أدناها ، وهي وحدة ظن البعض أنها ماتت مع تفجيرهم للصراعات العرقية والطائفية والمذهبية على امتداد العالم العربي ؛ بل والعالم الإسلامي !
صحيح أن الأمة عاجزة ومكبلة ، وأصفادها ثقيلة ثقيلة ، ولكن عينها لا تخطئ اللحظة التي تحلم بها ، وتتمناها وتنتظرها ؛ عندما تتحقق الأسباب وتتجمع . وكانت قذيفة ” منتظر الزيدي ” ، لقطة من هذا الحلم المنتظر ،وتنفيسا عن أحزان مكبوتة لم يصنعها الغزاة الهمج وحدهم ، بل بعض أبناء جلتنا المدعومين من قبلهم ، والمتحكمين في مصائرنا وأقدارنا وطعامنا وشرابنا ، فسودوا حياتنا وأظلموها في كل المجالات حتى صرنا بحق – كما تنبأ البشير النذير صلى الله عليه وسلم – قصعة الأمم !
على الجانب الآخر كانت هناك أقلية تضم المارينز العرب ، وكتاب لا ظوغلي ، وراغبي الشهرة ، والغاضبين من الواقع المخزي الذي تعيشه الأمة على يد حكامها وزعمائها وقادتها وشعوبها ، ترفض هذا السلوك الصحفي العراقي ، وتشجبه ،وترى فيه خسارة وليس مكسبا . وذهب بعضهم إلى أن هذا السلوك غير حضاري ، ولا يليق أن نعامل به ضيفا حل بساحتنا ودارنا وربعنا ,, وقد ركز على الجانب الحضاري المارينز العرب الذين يعبدون أميركا من دون الله ، وهؤلاء عادة يرفضون كل ما يمس الإله المعبود ، ويرفضون كل حركة تدل على حيوية الأمة ومقاومتها وجهادها ، ولذا يحاربون الإسلام دائما ، ويعملون على استئصاله والتبشير بسياسة الاستسلام ، وثقافة التبعية ، وهم ضد المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والصومال ، وهم ضد إيلام الغزاة بأدنى ألم ،ولهم في ذلك مسوغات هشة ومنطق سقيم وأسباب غير منطقية وغير حضارية أيضا .
ولا أدري كيف يكون الحذاء متحضرا في حضارة رئيس همجي يستعيد همجية ريتشارد قلب الأسد وأسلافه وخلفائه الذين قتلوا وذبحوا وروعوا ونهبوا في بلاد المسلمين ، بل في بلاد أبناء ملتهم جنوب أوربة وجنوبها الشرقي وهم يزحفون إلى القدس العتيقة أيام الحروب الصليبية ، في وحشية لا يقرها دين ولا خلق ولا عرف ولا قانون .
إن الحذاء المتحضر ، يكون أكثر تحضرا في حضرة الهمج والقتلة واللصوص الأقوياء ، ولا أعلم ماذا سيكون موقف المارينز العرب وأمثالهم ، حين يرون جنديا أميركيا همجيا يدخل بيت أحدهم ، ويهتك عرض أهله وأقاربه ، ويصور جريمته ، ثم يهو بالصور مع رفاقه الهمج ! هل أسأل عن النخوة والكرامة والشرف ؟ أم إنها ذهبت مع ” رزم ” الدولارات ، و”حزم ” الامتيازات ؟
أعجبني الرئيس الشيوعي الفنزويلي ” هوجو شافيز ” ، وهو يتناول قصة الحذاء الصاروخي على شاشة التلفزة . كان يضحك مرحا فرحا ، ويطلب من مقدمة البرنامج أن تعرض مشهد القذيفة الحذائية ليراها جيدا. إن شافيز يرى أن بوش يستحق أن يضرب بكل أحذية العالم على ما ارتكبه من جرائم وآثام ! ولكن بعض الشيوعيين المصريين لهم رأي آخر ، وإن كانت أكثريتهم أعربت عن تأييدها للصحفي العراقي .
إن حضارتنا تكرم الضيف المؤدب المهذب الذي يحمل رسالة سلام ومودة ، ولكن الضيف الذي يتجاوز حدود الضيافة ، ويتباهى – وبجواره العملاء – بجرائمه وآثامه ، ويتحدى مشاعر مضيفيه في قحة غير مسبوقة ، فغن توجيه الحذاء إليه يعد من أبسط الأعمال الحضارية التي تبلغه رسالة موجزة فحواها ؛ أن الأمة ستقاوم ، ولن تتوقف عن المقاومة حتى تتحقق لها الكرامة والعزة والنصر بإذن الله .
مهما يكن من أمر ، فقد أعاد الحذاء المتحضر ، فكرة الحديث عن أدب النعال إلى الوجود مرة أخرى ، وانطلق الشعراء والكتاب ، ينظمون ويدبجون ، ويدخلون بنا عالما فسيحا من الأدب ؛ يحمل مشاعر الأمة وآلامها وآمالها .
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://arabciv.alafdal.net
 
الحذاء المتحضر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نهضة العرب :: منتديات الكتاب :: منتدى د/ حلمي محمد القاعود-
انتقل الى: